بسم الله الرحمن الرحيم
قسوة الحب..
يقولون ...تزوج بمن تحب تعش سعيدا..وقول اخر يقول : تزوج بمن يحبك تعش سعيدا..عاش حياته يتخبط بين القولين, فهناك من يحبها ولا يرى فى الدنيا غيرها وهى لا تبادله المشاعر, وهناك من تحبه ومستعدة لتقديم أى تضحية من أجله, وهو لا يجد فى قلبه أى نبضة حب تجاهها.
أحب ابنة خالته..ولأنه من أبناء الصعيد, وابنة خالته قاهرية, فكان اللقاء نادرا,ولكن وضح الحب, وأصبح حقيقة,وتغلغل فى قلبه وكل كيانه بعد أن فرضت الظروف استكمال تعليمه الجامعى الاقامة بالقاهرة طوال الأربع سنوات,ولأن من تقاليدهم التى يحبونها ويحرصوا عليها فتح البيوت لاستقبال الضيوف خاصة الأقارب ,واستضافتهم,فقد عاش معها فى بيت خالته,وان كان يوزع اقامته بين بيت خالته وبيت أخيه المقيم بالقاهرة.
لم تبادله ابنة خالته مشاعر الحب الجارف الذى يكنه لها وأمام الحاحه عليها ,قالت يوما: انها ستأخذ فرصة لتفكر فى هذا الأمر .وفتح هذا الكلام باب الأمل ,وركب سفينة الأمل,وانطلق بها يصارع أمواج اليأس العاتية عليها ترسو به على شاطىء الأمان..شاطىء الحب والسعادة..ولكن جاءه الرد سريعا, وقذفت فى وجهه,برفضها,مرة ثانية..كانت مشكلة الحبيبة التى أعلنتها له مبررة لرفضها أنها تعيش مع الخوف..فهى تخشى أن توافق,فلا يستطيعوا أن يعيشوا سعداء معا,وفى الوقت نفسة تخشى أن ترفض رفضا باتا قاطعا,فتندم لهذا الرفض..الا انه رأى فى هذا الكلام بشائر ضوء يبزغ أمام سفينة الأمل التى لازال يتشبث بها..وأعطاها الفرصة لتفكر..وتفكر ..وتفكر..وتراجع كل حساباتها وأفكارها ..وأمامها عام كامل قبل أن تتخذ قرارا نهائيا,فقد كان على أبواب الالتحاق بالقوات المسلحة لأداء الخدمة العسكرية ..وأضمر فى نفسه أن يستغل هذه الفترة لتحقيق التقارب بينهم لعله يستطيع أن يكسب قلبها وحبها..وطبعا دون المساس بكرامته!!!وان كان لشدة حبه يلتمس لها العذر ,فهى فتاة فى غاية الاستقامة,لم يسبق لها تجارب حب ولم تمر بأى مشاكل عاطفية من قبل..بل انها تفكر فيه كموضوع يشغل بالها كما هو حال كل البنات فى سنها.
ولكن القدر استمر يسخر منه ومن حبه الكبير,فخلال هذا العام ..عام التقارب,تقدم ابن الخال لخطبتها,رغم أنه يعرف بحبه لها,واشتعل بيت خالتها وكلهم يأخذون جانبا ويرحبون به, ويفضلونه..وفى الوقت نفسه رفضته هى,فورا,وبلا تردد....لم تكن تريد كما قالت أن تشعل نار الفتنة بين الأسرة.
ومرضت ابنة خالته الحبيبة, مرض خطير,وكادت تصاب بالشلل لولا أن تداركتها رحمة الله,وشفيت..وان بقيت اثار ورواسب لهذا المرض..ومرة أخرى يسمع منها اعتذرا عما تسببه له من الام ومتاعب بسبب رفضها له,وتطلب منه أن تستمر المراسلات بينهم لعل وعسى....!
كان وداعها له ,ابتسامة حلوة أعادت الى قلبه بصيصا من الأمل.
وجاءت خالته لزيارته بالبلد ,وطبعا دار حوار حول حبه لابنتها ورغبته فيها واستمرار رفضها..وحاولت أن تهدىء من نفسه وتطالبه بالصبر عليها..ووعدها بأن يحبها مدى الحياة..وعند عودتها الى بيتها بالقاهرة رافقها وسافرت..وجاءه خطاب من ابنة الخالة الحبيبة تتضمن كلمات قرارها النهائى..لقد فكرت كثيرا..وانتهت الى أنه من الأفضل أن يظلوا اخوة....!
وكانت هذه هى الصدمة الرابعة منها..وشاءت الظروف أن يبدأ عمله فى اليوم التالى مباشرة بلجان الامتحان ببلده ووقعت عيناه فى احدى اللجان على فتاة لفتت نظره,أعجبه فيها جمالها وهدوءها,اتجه اليها وهو لايزال يترنح تحت وطأة صدمة خطاب ابنة الخالة الحبيبة..فقرأ اسمها وقدمه لزميلة له ,لتسأل عنها..واذا بها تأتى له فى اليوم التالى بكل المعلومات عن تلك الفتاة وعنوان بيتها..بل موافقة الأسرة والبنت أيضا..!!
وقبل أن يخطو خطوة واحدة ,فاجأته عند عودته الى البيت فى نفس اليوم أصوات الصراخ..خالته توفيت اثر أزمة قلبية حادة..وسافر الى القاهرة,ووقف الى جانب الأب المسن يتلقى العزاء...ومن تلك اللحظة اعتبر نفسه مسئولا عن بنات خالته الثلاث ..فخالته لم تنجب ولدا!!!
الى جانب قصة الحب الحزينة لابنة الخالة الحبيبة,كانت هناك قصة أخرى تقدم صورة معكوسة تماما لحالته,فمن خلال تردده على بيت أخيه أثناء دراسته بالجامعة,وبعدها حتى الان,تعرف على أخت زوجته..فقد أحبته الفتاة بقوة وعنف..ومن خلال لقاءتهم العديدة,رأى فيها ومنها ,ما تمناه فى ابنة خالته..رأى الحب الجارف نحوه ولم يجد لديه الشجاعة ليرفضه أو يبعدها عنه..كان يرى فيها نفسه أمام ابنة خالته,ولم يستطع الا أن يبدو أمامها فى صورة المحب المستجيب لحبها,وأصبحت الفتاة الساذجة مجنونة به وبحبه..كما هو مجنون بحب ابنة خالته..وفى خجل شديد تحدثت معه عن ارتباطهم,ولم يستطع أن يصدمها ,فهو يعرف جيدا وقع تلك الصدمات,ولكن راح يضع العقبات,والعقد التى تحول بينهم وبين تحقيق الارتباط..لعلها تيأس وتنصرف عنه,من تلك العقبات أنه سيعيش ببلدته فى الصعيد,بل فى ريف الصعيد وسيعيش مع أهله,وأن أمامه سنوات طويلة ليقف على قدم ثابتة ويستطيع أن يفكر فى الزواج..كل هذا ,وهى لا تعترض..بل توافق على كل شىء..وكل وضع..تماما ..فحالها معه كحاله مع ابنة خالته..أليست هذه سخرية من القدر..!!
وكان لابد من وضع حد لهذه المهزلة التى يعيشها..مهزلة الحب الميت ..
وهداه تفكيره الى أن يحقق هذا الهدف دون أن يجرح مشاعرها أو يأسى اليها..فأعاد اليها كل خطابات الحب الملتهبة التى كانت ترسلها له,وكل هداياها..لأنه كما ذكر لها ..وجد أن أمامه سنوات طويلةحتى يكون مستعد للزواج ,ولهذا فهو يؤجل حاليا التفكير فى الزوج.
وكانت قد عرفت من أختها_زوجة أخوه_بكل أخباره..وعلاقته بابنة الخالة وحبه لها,بل انه تقدم اليها فعلا..وعندما تحدثت معه بهذا,أنكر هذا الحب,وبرر تصرفاته بأنها مفروضة عليه باعتبارها ابنة خالته..!فقد كان يريد أن يجنبها أى صدمة حب,فان كان فشل فى أن يتجاوب معها ويحبها فهو يريد أن يكون رقيقا معها..خاصة وأنه يؤمن بأن الحب يكون مرة واحدة..وليس هناك مايسمى بالحب الثانى أو الثالث ..فالحب مرة واحدة ....!
ومع ذلك مرضت المسكينة,ولازمت الفراش..وكان هو السبب..وما ان تماثلت للشفاء حتى جاءته لتخبره بأنها تعرف كل شىء,وأنها ستتركه راضية لابنة خالته خاصة فى تلك الظروف الجديدة بعد وفاة امها..ورأى فى عينيها دموع الأسى والحزن...
ووجد نفسه فى موقف من النادر أن يوضع فيه غيره..حب مجنون لابنة خالته التى ترفضه باصرار..وحب مجنون من شقيقة زوجة اخوه التى تنازلت عن حبها وكل امالها من أجل أن تتركه لابنة خالته..وتلك الفتاة التى ظهرت فجأة فى حياته..وما وصل اليه من التفكير فى الزواج بدون حب ولا زواج ....وبين الثلاث حالات وقف حائرا..لا يدرى ماذا يفعل؟؟
مع تحياتى | ادارة المنتدى | windows